أشعر بحب وحنان وسلام كلما سمعتُ ميادة الحناوي تغني"كل كلامهم مش حيأثر.. وأنا ولا حبعد ولا حتغير.. يمكن حتى هقرب أكتر"..
لا أذكر اللحظة التي عرفت فيها الغنوة، ولا كيف وصلت إليها، ولكني أذكر كيف كنت حينما سمعتها أول مرة وهي تقول "مهما يحاولوا يطفوا الشمس.."
خُيّل إليَّ، أننا معًا، في غرفة ضوءها خافت، لا نور فيها سوى شمعة تراقصها الريح ولا تطفئها.
أنا لا أراها، ولكنها بجانبي، تطربُ روحي، تخُصني بالألحان والأنغام، لا أحد غيري.
ميادة، عرفتها أول مرة حينما قرأت عن بليغ حمدي وحكايته، وحينما بحثت عنها، تعجبت!
كيف لم أنتبه لها من قبل، وكنتُ قد رأيتها؟
في أوقات كثيرة أجنُّ كيف يكون كل هذا الجمال صوب عيني ولم أره؟
أضطربُ ولا أجد تفسيرًا، أيصيبُ الإنسان الجمال بعد ما تبذرُ الدنيا في قلبه نبتة طيبة، ومع الأيام، يرى ما لم يكن يراه..
أم أنّ غمامة سوداء كانت تلاحق الفتى، تبخرت مع أول تجلٍ لروحه في لحظة خلوة بديعة، طارت معها مخاوفه وشكوكه، فرأى وأبصر، ورقّ قلبه، وحاز من الدنيا لحظة أنس لم يبلغها أمير ولا زعيم.
أم أن "ابن برد" كان محقًا، ولم أدرك ما قاله حين قال: "يا قومِ.. أذني لبعض الحي عاشقة، والأذن تعشق قبل العين أحيانًا" شيء عجيب، كم من كلام يقرأه المرء ولا يدرك ما فيه إلا بعد تجربة تختبره وتقوده للمعنى..
تضع يدها على يدي وأسمعها:
"يلي حياتي بتحلم بيك... وبشوف كل الكون بعنيك
أنت العمر الحلو اللي زمان كان متأجل.. عشتوا وشفتوا جوا عنيك في معاد وبيوصل..”
يرجف جسدي وتنتابني قشعريرة تسري في صدري وأحس بخيط عرق صغير ينساب داخلي..
في الحب دائمًا هناك شيء مجنون، كيف يرى المحب حبيبه بكل هذا الجمال والجلال، وكيف تزيّن له نفسه كل خصاله وفصاله حتى تلك التي ينفر منها البشر، شيء ما سحريّ يحتلك ويسري في أعماقك، وتُغنيك بسمة حلوة عن الدنيا وما فيها..
وككل شيء لا يتركه الناس في حاله، ويتطفلون دون كلل وملل.. تسألني بأسى:
"ليه عايزين ياخدوا من قلبي... ليه يلوموني الناس على حبي"
الناس، أغلبُ الناس، ما يفعلونه دومًا يثير الجنون، لا يتركون شيئًا جميلا إلا وأفسدوه، لا يعرفون شيئًا، ويتحدثون في كل شيء، قضاة وحكام لكل حال ومقال، يدمرون ما لا يشبههم، ويعادون ما يجهلون، ولا يطيقون صبرًا، ولا يكظمون غيظًا، ويحترمون من يلعنهم، ويتكبرون على من يحترمهم..
ورغم كل هذا، تقول لي بكل عذوبة:
"كل كلامهم مش حيأثر... وأنا ولا حبعد ولا حتغير.. يمكن حتى حقرب أكتر... مهما يحاولوا الناس بالعكس"
هنا فقط..
شعرت بحنان بالغ، في قلب هذا العالم القاسي ركن دافئ، يحتويني ويضمني ويقبلني على عِلاتي، أنا محظوظ جدا.
وشيء ما وقعَ في نفسي، وبلغ من أعماقي ما بلغ، حين همست في أذني واقتربت أكثر:
"بيني وبينك حب كبير... أكبر ما يفكروا بكتير..
ده اللي ما بيني وبينك كان في السما متقدر.. لازم كنت حـحبك مهما لُقانا اتأخر"
آهٍ على الأقدار وما تحمله لنا وما تقودنا إليه، وما أكثر الذكريات وما أحنُّ إليه، وما أقل الفرحَ وما يدهش القلب، وما أكثر ساعات التعارف وما أقل لحظات الود، وما أجمل قصص الحب وما أندر معرفتنا به..
ولا أدري كيف كانت تتجرأ حينما تقول " انت في قلبي... انت وبس"
أنا بس؟