بعض الكتب تجذبني إليها دون أي سعي مني.. ومن هذه الكتب، كتاب د. علي الوردي "خوارق اللاشعور: أو أسرار الشخصية الناجحة"
عنوان غريب وكتاب صغير الحجم وسط مجموعة من الكتب، قررت استكشافه.. ولم أندم
فكرة واحدة تأثرت بها جدًا وغيرت كثيرًا من طريقة تفكيري، وساعدتني على تخطي الكثير من المناقشات أو تفهمها والاستماع إليها فعلا..
ماذا لو جربت أن ترى العالم بعيون غيرك..
جرب أن تتحرر قليلا من قيودك، وتنظر للدنيا من منظور غريب عنك.. إذا فعلت، كل شيء سيتغير!
"فكل متنازع في الغالب يعتقد أنه المحق وخصمه المبطل، ولو نظرت إلى الأمور من الزاوية نفسها التي ينظر منها أي متنازع لوجدت شيئًا من الحق معه قليلاً أو كثيرًا"
من الأمثلة التي ذكرها:
البدوي يقتل أخته مثلاُ إذا اشتبه بسلوكها فهو يفعل ذلك مفتخرًا كأنه يجاهد في سبيل الحق أو الفضيلة، فإذا جادلته في الأمر اندهش من جدلك واتهمك في شرفك وعرضك..
وفي أمريكا يرحب الأب بصديق ابنته ويتركهما وحدهما يتحاضنان ويتعانقان في بيته، فإذا سألته في ذلك قال إن ذلك هو السبيل الوحيد لكي تتعرف ابنته على زوج المستقبل ولكي تمتحن شخصيته وأخلاقه..
فالأمريكي يستهجن عمل البدوي ويعتبره وحشية، والبدوي يعتبر عمل الأمريكي دياثة، وكل واحد منهما واثق من صحة ما يقول وثوقًا تامًا
مثال آخر:
التقى فارسان من فرسان القرون الوسطى عند نصب قديم فاختلفا في لونه، أحدهما يقول إنه أصفر والآخر يقول إنه أزرق.. والواقع أن النصب كان أصفر وأزرق في آن واحد، حيث كان مصبوغًا في أحد وجهيه بلون يخالف لون الوجه الآخر..
ولم يشأ هذان الفارسان الشهمان أن يقفا لحظة ليتفحصا لون النصب من كلا وجهيه.. لقد كان همّ كل منهم مُنصبًا على تفنيد الآخر وإعلان خطئه، وكانت النتيجة أنهما تبادلا الشتائم اللاذعة ثم تبادلا ضرب السيوف والرماح من بعد ذلك..
وإذا حالفك الحظ، واستطعت أن تعرف كل شيء مرَّ به من أمامك، وجربت منظاره للعالم، لتفهمت فكرته وعذرته ربما وأدركت ما يسيطر عليه، أو ما يقيدك أنت..
إن الوردي يرى أن الإنسان ينظر إلى الكون من خلال إطار فكري مكون من عقده النفسية وقيوده الاجتماعية والحضارية، وهو متأثر به في كل شيء من حيث لايشعر.
ويتعجب من الذين ينكرون وجود إطار على عقولهم، فهم بهذا يبرهنون على تعصبهم الشديد على حد تعبيره.. فيقول: " كلما اشتد اعتقاد إنسان بأنه حرّ في تفكيره، زاد اعتقادي بعبوديته الفكرية"
ما الفرق بين الإنسان العادي والباحث المبدع؟
يفرق الوردي بينهما مقارنة بإدراكهما لهذه الحقيقة..
فالإنسان العادي حينما ينظر إلى ما حوله لا يدرك أن نظرته مقيدة ومحدودة، أما الثاني يعترف بإطاره الفكري ويدرك أنه مقيد بشكل أو آخر.
ويجد الوردي في نظرة الإنسان العادي لتفكيره بأنه حرّ، خطرًا كبيرًا.. فلا يكاد يرى أحدًا يخالفه في رأيه حتى يثور غاضبًا ويتحفز للاعتداء عليه، وهو عندما يفعل ذلك لا يعدّه شينًا ولا ظلمًا بل يراه جهاد في سبيل الحقيقة ومكافحة ضد الباطل..
وهو فخ، قد يحتاج كل إنسان في حياته أن يمرّ عليه لبلوغ النور وتجاوز النفق المظلم.